فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان هذا خاصة الإله، أشار إلى نفيه عنه مقتصرًا على وصف النذارة، إشارة إلى أن أغلب الخلق موتى القلوب، فقال مؤكدًا للرد على من يظن أن النذير يقدر على هداية أو غيرها إلا بإقداره {إن} أي ما {أنت إلا نذير} أي تنبه القلوب الميتة بقوارع الإنذار، ولست بوكيل يقهرهم على الإيمان.
ولما كان صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، وكان الاقتصار على هذا الوصف ربما أوهم غير ذلك، أتبعه قوله بيانًا لعظمته صلى الله عليه وسلم بالالتفات إلى مظهر العظمة لأن عظمة الرسول من عظمة المرسل فنذارته رحمة: {إنا} أي بما لنا من العظمة {أرسلناك} أي إلى هذه الأمة إرسالًا مصحوبًا {بالحق} أي الأمر الكامل في الثبات الذي يطابقه الواقع، فإن من نظر إلى كثرة ما أوتيته من الدلائل علم مطابقة الواقع لما تأمر به، والتقدير بالمصدر يفهم أن الرسالة حق، وكلًا من المرسل والرسول محق {بشيرًا} أي لمن أطاع {ونذيرًا} أي لمن عصى، والعطف بالواو للدلالة على العراقة في كل من الصفتين.
ولما كان مما يسهل القياد ويضعف الجماح التأسية، قال مؤكدًا دفعًا لاستبعاد الإرسال إلى جميع الأمم: {وإن} أي والحال أنه ما {من أمة} من الأمم الماضية {إلا خلا فيها نذير} أرسلناه إليهم بشيرًا ونذيرًا إما بنفسه وإما بما أبقى في أعقابهم من شرائعه من أقواله وأفعاله ورسومه مع ما لهم من العقول الشاهدة بذلك، والنذارة دالة على البشارة، واقتصر عليها لأنها هي التي تقع بها التسلية لما فيها من المشقة، ولأن من الأنبياء الماضين عليهم السلام من تمحضت دعوته للنذارة لأنه لم ينتفع أحد ببشارته لعدم اتباع أحد منهم له.
ولما كان صلى الله عليه وسلم شديد الأسف على إبائهم رحمة لهم وخوفًا من أن يكون ذلك لتقصير في حاله، وكان التقدير: فإن يصدقوك فهو حظهم في الدنيا والآخرة، عطف عليه تأسية له وتسلية قوله: {وإن يكذبوك فقد} أي فتسل لأنه قد {كذب الذين} ولما كان المكذبون بعض الناس، فلزم لذلك أن يكونوا في بعض الزمان، دل على ذلك بالجار فقال: {من قبلهم} أي ما أتتهم به رسلهم عن الله.
ولما كان قبول الرسل لما جاءهم عن الله ونفى التقصير في الإبلاغ عنهم دالًا على علو شأنهم وسفول أمر المكذبين من الأمم، وكل ذلك دالًا على تمام قدرة الله تعالى في المفاوتة بين الخلق، قال دالًا على أمري العلو والسفول استئنافًا جوابًا لمن كأنه قال: هل كان تكذيبهم عنادًا او لنقص في البيان: {جاءتهم} أي الأمم الخالية {رسلهم بالبينات} أي الآيات الواضحات في الدلالة على صحة الرسالة.
ولما كان التصديق بالكتاب لازمًا لكل من بلغه أمره، وكانت نسبة التكذيب إلى جميع الأمم أمرًا معجبًا، كان الأمر حريًا بالتأكيد لئلا يظن أنهم ما كذبوا إلا لعدم الكتاب، فأكد بإعادة الجار فقال: {وبالزبر} أي الأمور المكتوبة من الصحف ونحوها من السنن والأسرار {وبالكتاب} أي جنس الكتاب كالتوراة والإنجيل {المنير} أي الواضح في نفسه الموضح لطريق الخير والشر كما أنك أتيت قومك بمثل ذلك وإن كان طريقك أوضح وأظهر، وكتابك أنور وأبهر وأظهر وأشهر.
ولما سلاه، هدد من خالفه وعصاه بما فعل في تلك الأمم فقال، صارفًا القول إلى الإفراد دفعًا لكل لبس، مشيرًا بأداة التراخي إلى أن طول الإمهال ينبغي أن يكون سببًا للإنابة لا للاغترار بظن الإهمال: {ثم أخذت} أي بأنواع الأخذ {الذين كفروا} أي ستروا تلك الآيات المنيرة بعد طول صبر الرسل عليهم ودعائهم لهم.
ولما كان أخذ من قص أخباره منهم عند العرب شهيرًا، وكان على وجوه من النكال معجبة، سبب عنه السؤال بقوله: {فكيف كان نكير} أي إنكاري عليهم، أي أنه إنكار يجب السؤال عن كيفية لهوله وعظمه، كما قال القشيري: ولئن أصروا على سنتهم في الغي فلن تجد لسنتنا تبديلًا في الانتقام والخزي. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير وَلاَ الظلمات وَلاَ النور وَلاَ الظل وَلاَ الحرور وَمَا يَسْتَوِي الأحياء وَلاَ الأموات}.
لما بين الهدى والضلالة ولم يهتد الكافر، وهدى الله المؤمن ضرب لهم مثلًا بالبصير والأعمى، فالمؤمن بصير حيث أبصر الطريق الواضح والكافر أعمى، وفي تفسير الآية مسائل:
المسألة الأولى:
ما الفائدة في تكثير الأمثلة هاهنا حيث ذكر الأعمى والبصير، والظلمة والنور، والظل والحرور، والأحياء والأموات؟ فنقول الأول مثل المؤمن والكافر فالمؤمن بصير والكافر أعمى، ثم إن البصير وإن كان حديد البصر ولكن لا يبصر شيئًا إن لم يكن في ضوء فذكر للإيمان والكفر مثلًا، وقال الإيمان نور والمؤمن بصير والبصير لا يخفى عليه النور، والكفر ظلمة والكافر أعمى فله صاد فوق صاد، ثم ذكر لمآلهما ومرجعهما مثلًا وهو الظل والحرور، فالمؤمن بإيمانه في ظل وراحة والكافر بكفره في حر وتعب، ثم قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأحياء وَلاَ الأموات} مثلًا آخر في حق المؤمن والكافر كأنه قال تعالى حال المؤمن والكافر فوق حال الأعمى والبصير، فإن الأعمى يشارك البصير في إدراك ما.
والكافر غير مدرك إدراكًا نافعًا فهو كالميت ويدل على ما ذكرنا أنه تعالى أعاد الفعل حيث قال أولًا: {وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير} وعطف الظلمات والنور والظل والحرور، ثم أعاد الفعل، وقال: {وَمَا يَسْتَوِي الأحياء وَلاَ الأموات} كأنه جعل هذا مقابلًا لذلك.
المسألة الثانية:
كرر كلمة النفي بين الظلمات والنور والظل والحرور والأحياء الأموات، ولم يكرر بين الأعمى والبصير، وذلك لأن التكرير للتأكيد والمنافاة بين الظلمة والنور والظل والحرور مضادة، فالظلمة تنافي النور وتضاده والعمى والبصر كذلك، أما الأعمى والبصير ليس كذلك بل الشخص الواحد قد يكون بصيرًا وهو بعينه يصير أعمى، فالأعمى والبصير لا منافاة بينهما إلا من حيث الوصف، والظل والحرور والمنافاة بينهما ذاتية لأن المراد من الظل عدم الحر والبرد فلما كانت المنافاة هناك أتم، أكد بالتكرار، وأما الأحياء والأموات، وإن كانوا كالأعمى والبصير من حيث إن الجسم الواحد يكون حيًا محلًا للحياة فيصير ميتًا محلًا للموت ولكن المنافاة بين الحي والميت أتم من المنافاة بين الأعمى والبصير، كما بينا أن الأعمى والبصير يشتركان في إدراك أشياء، ولا كذلك الحي والميت، كيف والميت يخالف الحي في الحقيقة لا في الوصف على ما تبين في الحكمة الإلهية.
المسألة الثالثة:
قدم الأشرف في مثلين وهو الظل والحرور، وأخره في مثلين وهو البصر والنور، وفي مثل هذا يقول المفسرون إنه لتواخي أواخر الآي، وهو ضعيف لأن تواخي الأواخر راجع إلى السجع، ومعجزة القرآن في المعنى لا في مجرد اللفظ، فالشاعر يقدم ويؤخر للسجع فيكون اللفظ حاملًا له على تغيير المعنى، وأما القرآن فحكمة بالغة والمعنى فيه صحيح واللفظ فصيح فلا يقدم ولا يؤخر اللفظ بلا معنى، فنقول الكفار قبل النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في ضلالة فكانوا كالعمى وطريقهم كالظلمة ثم لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وبين الحق، واهتدى به منهم قوم فصاروا بصيرين وطريقتهم كالنور فقال وما يستوي من كان قبل البعث على الكفر ومن اهتدى بعده إلى الإيمان، فلما كان الكفر قبل الإيمان في زمان محمد صلى الله عليه وسلم، والكافر قبل المؤمن قدم المقدم، ثم لما ذكر المآل والمرجع قدم ما يتعلق بالرحمة على ما يتعلق بالغضب لقوله في الإلهيات سبقت رحمتي غضبي، ثم إن الكافر المصر بعد البعثة صار أضل من الأعمى وشابه الأموات في عدم إدراك الحق من جميع الوجوه فقال: {وَمَا يَسْتَوِي الأحياء} أي المؤمنون الذين آمنوا بما أنزل الله والأموات الذين تليت عليهم الآيات البينات، ولم ينتفعوا بها وهؤلاء كانوا بعد إيمان من آمن فأخرهم عن المؤمنين لوجود حياة المؤمنين قبل ممات الكافرين المعاندين، وقدم الأعمى على البصير لوجود الكفار الضالين قبل البعثة على المؤمنين المهتدين بعدها.
المسألة الرابعة:
فإن قلت قابل الأعمى بالبصير بلفظ المفرد وكذلك الظل بالحرور وقابل الأحياء بالأموات بلفظ الجمع، وقابل الظلمات بالنور بلفظ الجمع في أحدهما والواحد في الآخر، فهل تعرف فيه حكمة؟ قلت: نعم بفضل الله وهدايته، أما في الأعمى والبصير والظل والحرور، فلأنه قابل الجنس بالجنس، ولم يذكر الأفراد لأن في العميان وأولى الأبصار قد يوجد فرد من أحد الجنسين يساوي فردًا من الجنس الآخر كالبصير الغريب في موضع والأعمى الذي هو تربية ذلك المكان، وقد يقدر الأعمى على الوصول إلى مقصد ولا يقدر البصير عليه، أو يكون الأعمى عنده من الذكاء ما يساوي به البليد البصير، فالتفاوت بينهما في الجنسين مقطوع به فإن جنس البصير خير من جنس الأعمى، وأما الأحياء والأموات فالتفاوت بينهما أكثر، إذ ما من ميت يساوي في الإدراك حيًا من الأحياء، فذكر أن الأحياء لا يساوون الأموات سواء قابلت الجنس بالجنس أو قابلت الفرد بالفرد، وأما الظلمات والنور فالحق واحد وهو التوحيد والباطل كثير وهو طرق الإشراك على ما بينا أن بعضهم يعبدون الكواكب وبعضهم النار وبعضهم الأصنام التي هي على صورة الملائكة، وإلى غير ذلك والتفاوت بين كل فرد من تلك الأفراد وبين هذا الواحد بين، فقال الظلمات كلها إذا اعتبرتها لا تجد فيها ما يساوي النور، وقد ذكرنا في تفسير قوله: {وَجَعَلَ الظلمات والنور} [الأنعام: 1] السبب في توحيد النور وجمع الظلمات، ومن جملة ذلك أن النور لا يكون إلا بوجود منور ومحل قابل للاستنارة وعدم الحائل بين النور والمستنير.
مثاله الشمس إذا طلعت وكان هناك موضع قابل للاستنارة وهو الذي يمسك الشعاع، فإن البيت الذي فيه كوة يدخل منها الشعاع إذا كان في مقابلة الكوة منفذ يخرج منه الشعاع ويدخل بيتًا آخر ويبسط الشعاع على أرضه يرى البيت الثاني مضيئًا والأول مظلمًا، وإن لم يكن هناك حائل كالبيت الذي لا كوة له فإنه لا يضيء، فإذا حصلت الأمور الثلاثة يستنير البيت وإلا فلا تتحقق الظلمة بفقد أي أمر كان من الأمور الثلاثة.
ثم قال تعالى: {إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القبور} وفيه احتمال معنيين الأول: أن يكون المراد بيان كون الكفار بالنسبة إلى سماعهم كلام النبي والوحي النازل عليه دون حال الموتى فإن الله يسمع الموتى والنبي لا يسمع من مات وقبر، فالموتى سامعون من الله والكفار كالموتى لا يسمعون من النبي والثاني: أن يكون المراد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لما بين له أنه لا ينفعهم ولا يسمعهم قال له هؤلاء لا يسمعهم إلا الله، فإنه يسمع من يشاء ولو كان صخرة صماء، وأما أنت فلا تسمع من في القبور، فما عليك من حسابهم من شيء.
ثم قال تعالى: {إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ} بيانًا للتسلية.
ثم قال تعالى: {إِنَّا أرسلناك بالحق بَشِيرًا وَنَذِيرًا} لما قال: {إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ} بين أنه ليس نذيرًا من تلقاء نفسه إنما هو نذير بإذن الله وإرساله.
ثم قال تعالى: {وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} تقريرًا لأمرين أحدهما: لتسلية قلبه حيث يعلم أن غيره كان مثله محتملًا لتأذي القوم وثانيهما: إلزام القوم قبوله فإنه ليس بدعًا من الرسل وإنما هو مثل غيره يدعى ما ادعاه الرسل ويقرره.
{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25)} يعني أنت جئتهم بالبينة والكتاب فكذبوك وآذوك وغيرك أيضًا أتاهم بمثل ذلك وفعلوا بهم ما فعلوا بك وصبروا على ما كذبوا فكذلك نلزمهم بأن من تقدم من الرسل لم يعلم كونهم رسلًا إلا بالمعجزات البينات وقد آتيناها محمدًا صلى الله عليه وسلم {وبالزبر وبالكتاب المنير} والكل آتيناها محمدًا، فهو رسول مثل الرسل يلزمهم قبوله كما لزم قبول موسى وعيسى عليهم السلام أجمعين، وهذا يكون تقريرًا مع أهل الكتاب، واعلم أنه تعالى ذكر أمورًا ثلاثة أولها البينات، وذلك لأن كل رسول فلابد له من معجزة وهي أدنى الدرجات، ثم قد ينزل عليه كتاب يكون فيه مواعظ وتنبيهات وإن لم يكن فيه نسخ وأحكام مشروعة شرعًا ناسخًا، ومن ينزل عليه مثله أعلى مرتبة ممن لا ينزل عليه ذلك وقد تنسخ شريعته الشرائع وينزل عليه كتاب فيه أحكام على وفق الحكمة الإلهية، ومن يكون كذلك فهو من أولي العزم فقال الرسل تبين رسالتهم بالبينات وإن كانوا أعلى مرتبة فبالزبر، وإن كانوا أعلى فبالكتاب والنبي آتيناه الكل فهو رسول أشرف من الكل لكون كتابه أتم وأكمل من كل كتاب.
{ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26)} أي من كذب بالكتاب المنزل من قبل وبالرسول المرسل أخذه الله تعالى فكذلك من يكذب بالنبي عليه السلام، وقوله: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} سؤال للتقرير فإنهم علموا شدة إنكار الله عليهم وإتيانه بالأمر المنكر من الاستئصال. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير} أي الكافر والمؤمن والجاهل والعالم.
مثل: {قُل لاَّ يَسْتَوِي الخبيث والطيب} [المائدة: 100].
{وَلاَ الظلمات وَلاَ النور} قال الأخفش سعيد: لا زائدة؛ والمعنى ولا الظلمات والنور، ولا الظل والحرور.
قال الأخفش: والحرور لا يكون إلا مع شمس النهار، والسَّموم يكون بالليل، وقيل بالعكس.
وقال رُوْبة بن العجاج: الحرور تكون بالنهار خاصة، والسموم يكون بالليل خاصة، حكاه المهدوِيّ.
وقال الفراء: السموم لا يكون إلا بالنهار، والحرور يكون فيهما.
النحاس: وهذا أصح؛ لأن الحرور فعول من الحرّ، وفيه معنى التكثير، أي الحرّ المؤذي.
قلت: وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قالت النار ربِّ أكل بعضي بعضًا فأذَنْ لي أتنفس فأذِن لها بنَفَسين نَفَسٍ في الشتاء ونفس في الصيف فما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نَفَس جهنم وما وجدتم من حر أو حرور فمن نفس جهنم» وروي من حديث الزهريّ عن سعيد عن أبي هريرة: «فما تجدون من الحرّ فمن سمومها وشدّة ما تجدون من البرد فمن زمهريرها» وهذا يجمع تلك الأقوال، وأن السموم والحرور يكون بالليل والنهار؛ فتأمله.
وقيل: المراد بالظل والحرور الجنة والنار؛ فالجنة ذات ظل دائم، كما قال تعالى: {أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا} [الرعد: 35] والنار ذات حرور، وقال معناه السُّدّي.
وقال ابن عباس: أي ظل الليل، وحرّ السموم بالنهار.
قُطرُب: الحرور الحر، والظل البرد.
{وَمَا يَسْتَوِي الأحياء وَلاَ الأموات} قال ابن قُتيبة: الأحياء العقلاء، والأموات الجهال.
قال قتادة: هذه كلها أمثال؛ أي كما لا تستوي هذه الأشياء كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن.
{إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ} أي يُسمع أولياءه الذين خلقهم لجنته.
{وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القبور} أي الكفار الذين أمات الكفر قلوبهم؛ أي كما لا تُسمع من مات، كذلك لا تُسمع من مات قلبه.
وقرأ الحسن وعيسى الثقفيّ وعمرو بن ميمون: {بِمُسْمِعِ مَن فِي القبورِ} بحذف التنوين تخفيفًا؛ أي هم بمنزلة أهل القبور في أنهم لا ينتفعون بما يسمعونه ولا يقبلونه.
{إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)} أي رسول منذِر؛ فليس عليك إلا التبليغ، ليس لك من الهدى شيء إنما الهدى بيد الله تبارك وتعالى.
قوله تعالى: {إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بالحق بَشِيرًا وَنَذِيرًا} أي بشيرًا بالجنة أهل طاعته، ونذيرًا بالنار أهل معصيته.
{وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} أي سلف فيها نبيّ.
قال ابن جريج: إلا العرب.
قوله تعالى: {وَإِن يُكَذِّبُوكَ} يعني كفار قريش.
{فَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} أنبياءهم، يسلِّي رسوله صلى الله عليه وسلم.
{جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} أي بالمعجزات الظاهرات والشرائع الواضحات.
{وبالزبر} أي الكتب المكتوبة.
{وبالكتاب المنير} أي الواضح.
وكرر الزبر والكتاب وهما واحد لاختلاف اللفظين.
وقيل: يرجع البينات والزبر والكتاب إلى معنى واحد، وهو ما أنزل على الأنبياء من الكتب.
{ثُمَّ أَخَذْتُ الذين كَفَرُواْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي كيف كانت عقوبتي لهم.
وأثبت وَرْش عن نافع وشيبة الياء في {نكيري} حيث وقعت في الوصل دون الوقف، وأثبتها يعقوب في الحالين، وحذفها الباقون في الحالين وقد مضى هذا كله، والحمد لله. اهـ.